فالمقصود أن عبارات السلف الصالح تشعر وتدل على فهمهم العميق، لهذا قرأ الفضيل رحمه الله قوله تعالى: (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ))[مريم:54-55]، فالدين قول وعمل، والأعمال من الإيمان ومن الدين، ولذا كان يأمر بها الرسل الكرام.
وقرأ أيضاً: (( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ))[الشورى:13]، فالدين هو الاتباع في أمور العمل، وكذلك في الأمور الباطنة، كما كان هؤلاء الأنبياء صلى الله وسلم وبارك عليهم، فالدين التصديق بالعمل، كما وصفه الله، وكما أمر أنبياءه ورسله بإقامته والتفرق فيه ترك العمل، أو التفريق بين القول والعمل، فقوله تعالى: (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) يعني: كأنكم إذا فرقتم بين الإيمان والعمل فقد تفرقتم في الدين.
قال: (فالدين التصديق بالعمل)، فليس المقصود بالإيمان أن نصدق بقلوبنا ونقول: صدقنا فنحن إذاً مؤمنون، بل أن تصدق بأعمالك، فإذا قال الرجل: أنا مقر بأن الله افترض عليَّ الصلاة أو أي فريضة أخرى؛ قلنا: صدق ذلك بالعمل، وإن لم يصدقه بالعمل فقد كذب عمله قوله؛ يقال له: أقم الصلاة، فيقول: الإيمان في القلب! ويقال له: لقد تركت هذا الواجب، أو ارتكبت هذا المحرم، فيقول: الإيمان في القلب.
فـالفضيل يقول: الدين التصديق بالعمل. ولهذا لما أمر الله خليله إبراهيم أن يذبح ابنه ثم أخذ ابنه وتله للجبين فامتثل أمر الله، إلا أن الله لم يشأ أن يموت، فقال تعالى: (( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ))[الصافات:105]، أي: امتثلت الحقيقة، لكن لم يرد الله أن تذبح ابنك.